Wednesday 22 February 2017

لماذا لا يصارح المسلمون انفسهم بأن معظمهم ارهابيون محتملون؟

نعم السؤال صحيح تماماً . مؤلم لي كمسلم متدين، اعرف أنه مؤلم لكثيرين غيري من المسلمين. لكنها الحقيقة التي يجب أن نصارح انفسنا بها. فداعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات المتطرفة والإرهابية هم ابناء شرعيين، وليس نشاذ كما يدعي كثير من المسلمين. داعش تستند الى آيات في القرآن الكريم وفي الأحاديث والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي. استناد داعش وغيرها لا يعتمد على تأويل خاطئ، ولكن على نصوص مباشرة صريحة ووقائع واحداث واضحة وصريحة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وللصحابة وللتاريخ الإسلامي. إنها الثقافة الدينية التقليدية لدى المسلمين، السنة على وجه الخصوص، والتي تجعل كثيراً منهم ارهابيون محتملون، تجعلهم ابناء لداعش . واذا لم يحدث أن صار المسلم متطرف أو ارهابي، فهذا معناه أنه تجاهل هذه الثقافة ، أو أنه استقر على أن يتصالح مع نفسه باعتباره “مسلم غير ملتزم”.
الأمر هنا لا يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط فقط، رغم أنها المنطقة التي ظهرت فيها معظم الأفكار المتطرفة والإرهابية وصدرته الى كل مكان في العالم. فهذه الثقافة ستجدها بعد ثورة الإتصالات والإنترنت في كل مكان ، في الشرق وفي الغرب، في كندا والمانيا واستراليا ونيجيريا والفلبين وغيرها وغيرها. لقد سمعت تجليات هذه الثقافة في مساجد بكندا، مثلما سمعتها في مساجد مصر، مثلما يمكن أن تسمعها على اليويتويب لمشايخ وائمة في كل بلاد الله. لذلك ليس غريباً أن تنتج هذه الثقافة ارهابيين من جنسيات مختلفة ومن كل مكان في العالم.
هذه الثقافة الدينية التقليدية السنية تحول المسلم العادي الى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، في أي مكان.اذا سنحت الظروف والبيئة الحاضنة لها. تزيد أو تقل حسب طبيعة وظروف كل بلد. لكنها حتماً موجودة. فهي الأرضية الصلبة التي انتجت تنظيمات مثل الإخوان المسلمين والتي منها خرجت القاعدة والجهاد وداعش وغيرها. فالأساس الفكري الديني لكل ذلك مشترك. لا فارق في الجوهر، الإختلاف في الدرجة وليس النوع. داعش تؤسس دولة الخلافة بقسوة ودموية. الإخوان المسلمون يريدونها ديكتاورية دينية بطلاء ديمقراطي لطيف لا يختلف كثيراً عن نظام الملالي في ايران.
صحيح أن هناك رؤي اسلامية متسامحة، وصحيح أن هناك اجتهادات عظيمة تصالح بين المسلم وبين العالم ، لكن الصحيح الذي نحتاج الى الإعتراف به كمسلمين، وأنا أولهم ، هو أن هذه ليست الثقافة الدينية السائدة في اوساط عموم المسلمين السنة. ولابد أن نصارح انفسنا كمسلمين بأن الخطاب الديني السائد في اوساط المسلمين السنة في أي مكان في العالم، هو خطاب في معظمه عدائي عنصري دموي، قابل للإنفجار عندما تسنح الفرصة. لذلك لم يعد الإرهابيون فقط هم القادمون من الشرق الأوسط، بل القادمون من كل مكان في العالم، بسبب انتشار ثورة الإتصالات التي سهلت التعاطي مع هذا الخطاب الديني الإرهابي.
من اين تأتي هذه الثقافة الدينية الإرهابي؟
من النص القرآني ذاته. فالحقيقة هي أن القرآن الكريم مليئ بالعديد والعديد من آيات التسامح وحرية التدين واحترام الإختلاف .. الى اخر القيم الإنسانية العظيمة. لكنه ايضاً مليئ بآيات تحرض على القتل والكراهية . لذلك من الطبيعي ان تجد الكثير والكثير من المسلمين والكثير والكثير من الأئمة والمشايخ يقولون لك وهم صادقين أن ما تفعله داعش ليس هو الإسلام. السبب أنهم يستندون الى آيات كثيرة تدعو للتسامح والمحبة وغيرها من القيم الإنسانية الرفيعة ، لكنهم لا ينفون الآيات المعاكسة، التي تدعو للكراهية والقتل ، وهي التي تستند اليها داعش.
ذات الأمر ستجده في الأحاديث والسيرة النبوية التي نُقلت عن النبي العظيم محمد صلي الله عليه وسلم. فهناك احاديث غاية في الإنسانية وهناك غيرها يحرض على القتل والتنكيل بالخصوم من الكفار واليهود والمسيحيين وغيرهم. فالنبي لم يكن مجرد رسول ولكنه في ذات الوقت ولأسباب متعلقة بطبيعة المجتمع البدوي الذي ظهرت فيه رسالة الإسلام، كان مضطراً لخوض المعارك المسلحة بكافة اشكالها ضد الخصوم، وهم الكفار واليهود وغيرهم. فمن أين نأخد عنه، هل الرسول صاحب الرسالة السامية أم الرسول المحارب والمقاتل.
صحابة النبي والخلفاء الراشدين في السير المنقولة عنهم الكثير من التسامح، ولكن هناك ايضاً الكثير من الدم، والكثير من نشر الإسلام بقوة السلاح وباحتلال بلاد اخرى، وما يتبع ذلك من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. بل وخلفاء النبي صلي الله عليه وسلم خاضوا حروباً دموية ضد بعضهم البعض في صراع محموم على الحكم . وثلاثة منهم قتلوا بالسلاح ( عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وعثمان بن عفان).
عموم التاريخ الإسلامي فيه جانب دموي، مثلما هو مليئ بالقيم العظيمة ومليئ بالحضارة التي ساهمت في التقدم الإنساني.
دعني اقول لك إن الإسلام ليس استثناءً في هذا التاريخ الدموي. فهكذا كل الديانات، بما فيها المسيحية. ورجال الدين الإسلامي ليسوا استثناء، فالقتل والدم تم باسم الله بواسطة كل الأديان. ثم أن الإمبرطوريات القديمة شرقية وغربية ارتكبت في توسعاتها الإستعمارية الجرائم البشعة. والإمبراطورية الإسلامية ليست استثناءً في ذلك. ولابد أن نتذكر أن الإستعمار الغربي للعالم في العصر الحديث كان مقروناً بالدماء، وكان في كثير من الأحيان يفعل ذلك تحت راية الصليب.
لكن هذه الأديان ومنها اليهودية والمسيحية تطورت لأسباب كثيرة وتنازلت عن الجانب الدموي فيها. وتصالحت مع العالم ومع الحياة. اظن أن هذا ما يحتاج اليه المسلمين. فللأسف هم يقدسون الجانب الدموي في ثقافتهم الدينية السائدة، وحان الوقت للتخلص نهائياً من النصوص الدموية. والتبرؤ من الجرائم الدموية في تاريخهم. فقد كان كل ذلك مرتبط بزمانه وظروفه و لسنا مضطرين للإقتداء به. اعتقد أننا نحتاج الى التخلي عن الإقتداء بالأداء السياسي للرسول محمد صلي الله عليه وسلم. فقد خاض معارك في زمانه كان مضطراً لها لحماية الدعوة الوليدة، واظن أننا لسنا مضطرين لذلك. لقد خاض مثلاً صراعاً دموياً مع بعض اليهود في زمنه ، فهذا لا يعني اننا في صراع مع اليهودية أو اليهود في كل زمان ومكان. نقتدي بأدء النبي العظيم كرسول للقيم الإنسانية العظيمة. كما نحتاج لأن نتخلى عن كل ما هو ضد الإنسانية في الفقه الإسلامي وفي التاريخ الإسلامي . نبقي على القيم العظيمة في هذا التاريخ، هذه القيم التي تحمي انسانيتنا ، ونتبرأ كما فعل غيرنا من الغزوات والعنف والدم. ننتقل من خانة العداء للإنسانية الى خانة أننا جزءً منها، جزء من تقدمها ، نحن بشر مثل الآخرين.

No comments:

Post a Comment